يمكن إجمال مقال إبراهيم عيسى "المغالط" في عناوين وضعها هو تبدأ بسؤال : هل مصر فعلاً صاحبة فضل على البلاد العربية أو بالأحرى على الشعوب العربية؟ ويجيب بعنوانين: إذا كان لأحد فضل على العرب فهي ليست مصر بل جمال عبدالناصر، ومع ذلك فإن مصر جمال عبدالناصر لم تكن هي أيضاً صاحبة فضل على العرب.
عنوان المقال يبدأ بـ "تلك الحقيقة" وأتساءل أي حقيقة تلك؟ عيسى يكذب كما كذب في ثلاث مقالات متتالية دعوني أذكركم بها .. بعد أن أورد وقائع كاذبة في مقال أول مهاجماً علاء وجمال مبارك، أتحفتا بأسباب حبه وولهه بالسيد علاء مبارك في مقال هاجمه علاء مبارك بعده في إتصال هاتفي ببرنامج رخيص، فنشر مقالاً تافهاً جديداً لا معنى له .. وها هو يمتطي الكذب -مجدداً- جواداً لبطولة "عبيطة". فهو لم يكتب مقاله إحقاقاً لحق أو غيرة على وطن كما يدعي، فالغيور على وطنه لا ينكر فضله، بل يذكره بأيام مجده ويستنهض همم أبنائه .. فالسيد عيسى لم يكتب مقاله إلا لحاقاً بآخر كرسي في الصالة.
ولا يستلزم الأمر تذكير السيد إبراهيم عيسى بحوادث التاريخ التي ذادت فيها مصر وجيشها عن العرب والمسلمين، ولن أذكره بدورأزهر مصر، وفضله على كل طلاب العالم الإسلامي، وإكرام وفادتهم، والتكفل بمسكنهم ومأكلهم وصرف إعانات لهم .. فتفاهة كذبه "مش مستاهله" تفنيد دعاويه الباطلة، ولكني سأنقل عن بعض الكتاب العرب عن فضل مصر على بلادهم -الذي حفظته بعضها وأنكرته أخريات- واعترافهم بجميلها.
ولما بدأ عيسى تساؤلاته بـ فضل مصر على ليبيا، فالأولى أن أبدأ بها ناقلاً عن الكاتب محمد عقيلة العمامي مقتبساً فقرات من مقالين كتبهما هذا العام بعد أن فرضت ليبيا على العمال المصريين رسوماً باهضة قدرها 500 دينار ليبي، يقول في الأول بعنوان "طلب مرفوع إلى أمين مؤتمر الشعب العام" بتاريخ 25/6/2009
كيف – يا سيدي - نطالبهم ، ولو بدرهم واحد من ثمرة عرقهم، فما بالك بخمسمائة دينار كاملة !
ونحن – يا سيدي – لا نعني السماسرة، أو التجار، أو المغامرين وإنما أعني العمال - المصريين تحديدا - والفلاحين، وصيادي الأسماك، ورعاة الأنعام.. إنهم - إن كان بعضنا قد نسي – هم أحفاد أولئك الذين علمونا كيف نتهجى الكلمات، أحفاد من جلسوا على منصات القضاء في محاكمنا، وشخصوا أمراضنا.. عندما تعذر الأمر علينا.. وأنا – شخصيا – ما زلت أذكر التعريفة المصرية، التي صارت عملة لنا بعد الفرنك الإيطالي مباشرة!!
ربما يرد عيسى برد باطل أورده في مقاله بقوله أن هذا كان عملاً في نظير أجر، -وهذا وإن كان مجرد هراء، ففضل معلمينا علينا نحفظه جميلاً وديناً في أعناقنا، نرجو الله أن يوفقنا لرده وأن يجزيهم عنه خير الجزاء، رغم أنهم كانوا موظفين لدى الحكومة يؤدون أعمالهم ويأخذون عليها أجراً- لكن حتى هذا يرد عليه العمامي في مقال تالً بعنوان "عندما وصلت فوزية" بتاريخ 7/7/2009 يقول:
عندما قلت أن المدرسين المصريين علمونا كيف نتهجى الكلمات، وهي نقطة أثارت البعض بصورة ملفتة، لم اقصد مدرسي هذا الوقت، ولكنني قصدت مدرسي أواخر الأربعينيات، وأوائل الخمسينيات الذين كانوا يقبضون مرتباتهم من وزارة المعارف المصرية لأن ليبيا حينها كانت فقيرة للغاية. فمصر كانت حتى قبل ثورة يوليو سندا لليبيين قبل أن ينفجر النفط.
ثم في نفس المقال يورد واقعة أخرى تفصيلاً فكتب:
سنة 1946م، بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية بسنتين كانت ليبيا مجرد أطلال دكتها قنابل الحلفاء ودبابات المحور، وزرعت بامتداد صحرائها بألغام كرهم وفرهم، كانت مجرد حيز أجرد يعبث فيه الفقر والجوع والعراء والمرض، في ذلك الوقت وصلت ميناء بنغازي باخرة المصرية اسمها (فوزية). كانت محملة بالمؤن، والأغطية، والأدوية يطل من دكتها أطباء شباب تطوعوا لمعالجة الليبيين. ولقد استقبلها الأهالي بفرح، صوره شاعر الوطن أحمد رفيق المهدوي، الذي كان في مقدمة المستقبلين فقال قصيدته التي مطلعها:
عليك يا مصر بعون الله نعتمد أنت الرجاء لنا والعون والسند
وآخر هذه القصيدة :
شكراً لما بذلت مصر العزيزة من عون، سيذكره التاريخ والأبد
هذا بعض من فضل مصر على ليبيا الذي -قد تكون- تجهله يا سيد عيسى، هذا الفضل لا تذكره مصر مراراً وتكراراً كما تدعي، ومصر لا تستجدي أحداً ولا تمن على أحد، ولا تذكره مصر إلا تذكيراً لمنكر أو ناس لهذا الفضل. ولتقرأ عن لسان شيخ المؤرخين والأدباء علي مصطفى المصراتي في محاضرته بعنوان (مصطفى بعيو .. عاشق التاريخ) والتي ألقاها في 15/7/2008 يذكر الحكومة الليبية التي اتخذت قراراً يلزم المصريين بدفع رسوم باهظة جراء تعليم أبنائهم في المدارس الليبية بفضل مصر على الطلاب الليبيين فيقول: كم لمصر فضل على كثير من المبدعين، درس مجانا لم يدفع مليما هو ولا أي طالب ليبي في الجامعة المصرية.
هذه أشياء يجب أن تذكر لمصر العربية الشرقية المسلمة التي درس فيها كل أبناء الشمال الإفريقي ومنهم زعماء ومكافحون ومنهم من نكر الجميل ومنهم من عرف الجميل، الكثيرون الذين يعرفون جميل مصر في جامعاتها ومدارسها فضلا عن الأزهر، بل تدفع لهم رواتب وتشجعهم، والفضل لرجل عظيم هو عبد الوهاب عزام .. هذه الصفحات يجب أن تذكر وأن تنشر لكي لا ينسى الجيل القادم.
ثم يقول مذكراً بفضل مصر في تعليم الليبيين أيام العوز والفقر وبفضل مصر في إنشاء الجامعة الليبية :
تكونت بفضل الأساتذة المصريين وبفضل رجل يجب أن نذكره فريد أبو حديد، فلولا موقف هذا الرجل لتغير مسار تكوين الجامعة الليبية .. يجب أن نذكر لأهل الفضل فضلهم.
ويكرر عن مصطفى بعيو
لم تنفق عليه ليبيا مليما واحدا ولا المصراتي ولا غيرهما من جيل الدراسات كلها، كان الفضل لجامعة القاهرة والإسكندرية وأساتذتهما وفي مقدمتهم عبد الوهاب عزام وفريد أبو حديد.
لا يحتاج نقض دعواك لإيراد المزيد‘ فهذا الفضل يقر به ولا ينكره الليبيون أنفسهم، وهو في تاريخ مصر الحديث قبل أن يأتي "ناصر" الذي نسبت له الفضل ثم أنكرته.
وللحديث بقية،
Full Post ...